الابراج : عدد المساهمات : 268 نقاط نشاط العضو : 6013 تاريخ التسجيل : 16/02/2009 العمر : 35
موضوع: مفهوم التوبة ارثوذكسيا لنيافة الانبا رافائيل.. الجمعة أبريل 03, 2009 9:32 pm
نيافة الأنبا باخوميوس
"كل طرق الإنسان مستقيمة في عينيه والرب وازن القلوب، فعل العدل والحق أفضل عند الرب من الذبيحة. طموح العينين وانفتاح القلب نور الأشرار خطية، أفكار المجتهد إنما هى للخصب وكل عجول إنما هو للعوز" (أم 1:21-5).
لاشك أن المسيحية تهدف إلى أن يكون الإنسان مثلما قال السيد المسيح "أتيت ليكون لهم حياة ويكون لهم أفضل" والمسيحية تدعو إلى حياة الفرح الحقيقى "أفرحوا كل حين فى الرب" وتدعوا إلى أن يحيا الإنسان متحرراً من كل قيود ورباطات العـالم فيحيا فى حرية حقيقية ولا يستعبد لشىء، أن قصد الله أن يحيا الإنسان حياة متقدمة ونامية فى كل شئ لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح.
كان هذا الفكر فى قلب الرب منذ الخليقة الأولى، عندما خلق آدم، خلقه على أحسن صورة على صورته هو.. وقبل أن يخلق ملاك بل صورته هو.. وقبل أن يخلق آدم خلق له جميع الكائنات من زروع ودبابات وزواحف وحيوانات.. ليهئ له الحياة.. وهذا لأن ربنا يريد لآدم أفضل ما يكون، ولذلك قال له فى الفردوس.. من جميع شجر الجنة تأكل ولكن ما عدا شجرة معرفة الخير والشر.. لأن ربنا يريد من آدم اختبار محبته ل.. ولكن مشكلة الطموح الخاطئ جعلته يفكر فى أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر حتى يتساوى مع ربنا ويصبح مثله.. فهنا بدأت الحبة تطرح موضوع الذات على آدم وحواء.. وعندما تصير الذات هدفاً يصطدم الإنسان مع الله ويتخطى كل القيم والوصايا.
أن ربنا فى معاملاته مع البشرية كان أميناً جداً، ولا يزال وإلى الأبد.. أنه يريد للإنسان كل مقومات السعادة لكن من خلال خلاص النفس فيقول لإبراهيم: "أنا أدعوك أن تترك كور الكلدانيين" لأن الكلدانيين كانت تعبد الأوثان.. وتذهب إلى أرض كنعان، أرض تفيض لبناً وعسلاً، ويكون نسلك مثل رمل البحر ونجوم السماء.. وهناك أختبر الله إيمان إبراهيم.. فقد دخل إبـراهيم أرض كنعان فوجد الماء جف... فنظر إلى أرض مصر وخيراتها، فذهب إلى هناك ليحق طموح العينين، وليس وصية الرب.. فقد ترك مواعيد الله الصادقة بأن يكون له ارض ونسل مقدس.. لو كان اجتاز الاختبار لوجد أن مواعيد ربنا تسانده.. فيقول: "ها هنا أسكن لأنها إرادته" ولكن إبراهيم لم يفعل ذلك وترك أرض كنعان إلى مصر...
وهذه هى مشكلة الهجرة اليوم.. فنحن نترك أرض كنعان لأنها تبدو لنا جرداء... إلى أرض نراها خضراء وهناك نصطدم بالواقع أن المشكلة ليست فى الهجرة بل فى طموح العينين.. أن إبراهيم لو ناقش الموضوع بطريقة روحية لقال هل أنا فى مصر يمكننى أن ألتقى بالله.. ولنظر إلى أن الذات ليست فى كل شئ.. فقد كان ينبغى أن يبحث الموضوع من خلال خلاص نفسه.. حتى لا يترك مواعيد اله لكى يلقى بنفسه ويفقد النسل والميراث المقدس. لاشك أن كثيرين فى الهجرة أو الغربة تعاملوا مع الله يوسف مثلاً تعامل مع الله واختبر عمل الله فى حياته وهو فى أرض غريبة، وموسى تعامل مع الله وهو متغرب فى أرض مصر ودانيال والثلاث فتية تعاملوا مع الله وهم فى أرض السبى..
لنفكر فى دوافع الهجرة.. هل أنا اريد أن ألتقى بالرب وأتعامل معه.. وأعيش له بقلب مجرد.. أم هو طموح العينين وانتفاخ القلب كما قال سليمان الحكيم...
حقاً إن واقع الحياة يتطلب أشياء كثيرة واحتياجات لا نهاية لها.. لكن هل الوسيلة توصلك إلى هدف نقى.. هذا مستحيل يجب أن يكون الهدف هو الرب والوسيلة هى الرب، فإذا كانت المسيحية هى الحياة فالمسيح هو الحياة "أنا هو الطريق والحق والحياة" فإذا كان المسيح هو الحياة فهو أيضاً الطريق للحياة.
ولكننا نجد أن شبابنا يترك الله ويذهب ليتغرب ويعمل لإله آخر.. نحن لا نريد ذلك بل يجب أن تكون الغربة للالتقاء بالرب أولاً واختيار عمله وبعدها تأتى الأشياء الأخرى يجب أن يكون هناك هدف واضح وهو أن تحفظ نفسك نقياً وابن لله فى هذا العالم.. فحين تحتاج لأن تحدد الهدف سوف نجد الوسيلة... ولذلك وفيما أنت وفيما أنت تفكر فى طموحاتك ضع أمامك القاعدة الثابتة فى معاملات الله مع الإنسان.. وهى أن الله يحب أن يحيا أولاده حياة فاضلة، يحيون حياة الفرح يستمتعون بعمق السلام، تكون لهم الحرية الحقيقية التى تحررهم من كل عبودية رديئة.
كثير من أولاد الله فى الكتاب المقدس كانوا يسيرون على هذه القاعدة مثل :
دانيال الذى كان فيه روح الله.. فكان ناجحاً فى حياته. موسى الذى وصفه الكتاب أن الرب كان معه فكان رجلاً ناجحاً. سليمان الذى أعطى حكمة لم تعطى لحد قبله أو بعده فكان ملكاً. داود الذى صار قلبه كقلب الله حقق نجاحاً كبيراً وكان ملكاً.
يوحنا المعمدان الذى أخذ شهادة لم ينلها أى إنسان فى جيله "أنه لا يوجد من بين مواليد النساء من هو أعظم منه" لم يكن النجاح الذى وصل إليه هؤلاء القديسين هو هدفهم فى يوم ما من حياتهم، وكن كان هدفهم فى يوم ما من حياتهم، ولكن الهدف الأول هو الرب.. ومع النجاح الروحى حققوا طموحاتهم أيضاً فى مختلف الميادين المادية والاجتماعية فصاروا ملوكاً.
فمثلاً كان يوسف يحيا فى كمال وعمق الوصية رغم أنه لكم تكن هناك وصية مكتوبة ولكنه كان يحيا فى ناموس الضمير... فلم تكن هنـاك وصية تقول: "لا تزن" ولكنه شعر أن هذه الخطيئة تغضب الرب.. فقال: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" من يفكر قط أنه يستطيع أن يتسلط على هذا المكان بواسطة زوجة فوطيفار.. ولكنه وصل إلى أن يكون وزيراً من خلال الرب الذى كان معه.
ولذلك وصل هؤلاء القديسون إلى أعلى مستويات النجاح من خلال ارتباطهم الوثيق الله.. واليوم ليس خطأ أن يكون الإنسان المسيحى غنياً ولكن الخطأ أن يستعبد لغناه.
ليس خطأ أن يكون الإنسان المسيحى مثقفاً ولكن الخطأ أن تقوده ثقافته إلى الكبرياء، ليس خطأ أن يكون الإنسان المسيحى ناجحاً ولكن الخطـأ أن يصل للنجاح على حساب الآخرين.. مثلاً التلميذ الذى يتمسك بالآية "كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" فيكون أميناً فى مذاكرته ولا يلجأ إلى الغش لينجح ويصل، وتقوده أمانته إلى أعلى المراتب الوظيفية وفيما هو يسلك بالأمانة ينجح فكرياً واجتماعياً ومادياً أيضاً.. ويكن تلميذ آخر يلجأ إلى الغش لينجح فيتخلى عن الأمانة والوصية.. فهو يريد أن ينجح ليس ليكون شاهداً لمجد الرب فى حياته ولكن ليحقق شهواته وطموح عينيه.. وحتى يلتحق بعمل، فهو يشى بزملاء له عند الرؤساء ليصل إلى ما يريد.. هذا هو الباطل.. الذى لا يقدم عليه المسيحى الحقيقى.
من خلال الأمانة تستطيع أن تصل إلى أرقى المراكز الدبية وأعلى الدرجات حتى من الأعداء... فمثلاً دانيال صار الثانى فى المملكة على الذين سبوه، ونحميا استطاع أن يكون عندما رأى أنه يجب أن يكون شاهداً للرب فى هذا المكان.. أمل من أجل أورشليم المتهدمة وأبوابها المحترقة.. لقد تخطى ذاتيته، كذلك أيضاً دانيال والثلاثة فتية.. وجدوا أنه ينبغى أن يكونوا لمجد الرب فى المكان الذى يعيشون فيه ليصلوا إلى الطموح الحقيقى من خلال الأمانة الحقيقية التى ينبغى أن يسلكوا فيها والطموح بمعناه الروحى.
مثل المجوس الذين جاءوا من المشرق ليروا ملك اليهود، وكان النجم يقودهم، ولكن عندما وصلوا إلى أرض اليهودية، لم يعتمدوا على النجم ليصلوا إلى بيت لحم، بل اعتمدوا على فكرهم البشرى... إلى قصر هيرودس، فسألوه عن ملك اليهود.. هم لم يقصدوا شراً.. لكن اعتمادهم على فكرهم.. جعل هيرودس يكر فى مذبحة أولاد بيت لحم..
حينما يضع الإنسان أمامه هدفاً ولكن لا يستخدم وسيلة تتفق والهدف تكون النتيجة أنه يخطئ الطريق ويسبب آلاماً كثيرة لنفسه ولغيره.. مثلما يحل الإنسان مشاكله بغير فكر ربنا.. مثل ما فعل إبراهيم وترك أرض كنعان إلى مصر بحثاً عن الخير.. وتزوج من هاجر ليكون له النسل.. فقد حل إبراهيم مشاكله بفكره هو.. وليس بفكر ربنا وحسب كلام ربنا.. فوقع فى مشاكل تألم لها هو وعشيرته..
إن الطموح الخاطئ يجعلنا نفعل مثلما فعل إبشالوم بوالده داود.. وقف إبشالوم على باب المدينة التى يحتلها أبيه داود.. وبدأ يشكك كل من يدخل أو يخرج من المدينة فى حكم أبيه وأخذ يستدعى أهل المدينة على داود أبيه.. وكان داود الرجل الوديع جال فى مكانه يحكم فى أمانة وعدل، وكان الناس يأتون إليه ليخبروه ماذا يفعل به أبنه.. ولكن كان يرد عليهم قائلاً: جعلت الرب أمامى فى كل حين وعندما ازدادت الأمور سوءاً قال إلى متى يا رب تناسنى.. إلى متى تصرف وجهك عنى.. إلى متى أردد هذه المشورات فى نفسى وهذه الأوجاع فى قلبى ولاشك أن داود كان يواجه ألماً لأنه كان يحكم باستقامة قلب وضمير حى.. وإبشالوم كان يتسلق على كتف أبيه وكان عنده طموح أنه بعمله هذا يستطيع أن يأخذ مكان أبيه.. ولكن رغم تعاطف بعض الناس معه فقد كسب داود فى النهاية.
نحن نحتاج لأن نفرق بين طموح أهل العالم الذى طموح العينين واختبار عمل الله فى حياة أولاده الذى يقتادهم إلى النجاح ويعطيهم الثمر بغنى ويفتح لهم ملكوت السموات حتى يقولوا (كفى) فالمنهج الذى يسلكه أولاد الله يضعون فيه الله هدف أمامهم والوصول إلى هذا الهدف من خلال الرب بالفكر الإنجيلى ومرتبطاً بروح الأمانة الذى يحقق قصد الله فى حياتهم فيبتعدون تماماً عن شهوات العالم لذلك نجد ما اسحق يقول: أن من خصائص الراهب الناجح بل الإنسان المسيحى الناجح هو نقاوة الهدف.. الهدف النقى الذى يرتبط بالاهتمام بالأبدية... عندما يدقق الإنسان فى نقاوة الهدف يعمل الصلاح من أجل الله وحده، ومهما كان من مؤشر يشير إلى أى ملامح للفشل.. فلابد أن يأتى الرب فى يوم ويخرج من الجافى حلاوة.. وكثير من الناس لم يتمجد الله فى حياتهم بقدر ما تمجد فيهم بعد رحليهم.. مثل القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب الرهبان.. فقد سمع الرب من خلال فصل الإنجيل بالكنيسة "أن أردت أن تكون كاملاً فأذهب وبع كل مالك وأعطه للفقراء وتعال اتبعنى" لم يفكر فى أن هذه الآية تقول له أفعل ذلك لأجعلك أباً للرهبان وتبنى أديرة على اسمك وهو لا يعلم إلى أين يذهب.. خرج من أجل الرب.. ولكن ماذا فعل ربنا له.. "ليس جيداً أن يؤخذ المصباح ويوضع تحت المكيال" وابتدأ الرب يحقق فى حياة القديس الأنبا أنطونيوس ما لم يخطر على فكر بشر كان الأنبا أنطونيوس بفكر إنجيلى "إن هذه كلها تزاد لكم" وصار ملتزماً بروح الوصية... وحقق القديس أنطونيوس نجاحاً لا يستطيع أحد أن يحققه مهما كان شأنه.. أيها الشاب لم يكن الأنبا أنطونيوس يزيد شيئاً عن أى إنسان آخر.. فتستطيع أنت أبن الأنبا أنطونيوس بنعمة الله - أن تحقق ما حققه بنعمة الله - أن تحقق ما حققه الأنبا أنطونيوس، لأن الله لا يعطنا روح الفشل.
لا يجب أن تفقد نقاوة مبادئك فى وسط هذا الجيل.. الذى صارت فيه كلمة الرب عزيزة ليس فى هذا الجيل فقط بل كان أيضاً فى هذا الجيل فقط بل كان أيضاً أيام صموئيل يقول: "وكانت كلمة الرب عزيزة" يجب أن تضع أمامك خلاص نفسك أولاً.. وتأكيد أن هذه كلها تزاد لك "أيها الحبيب فى كل شئ أروم أن تكون ناجحاً".