اما دي مقاله من جريدة المصريhttp://www.el-masrionline.com/details.asp?art_id=4497&max_Edition_ID=52شوف الحيرة محدش عارف النار كانت بتيجي منينحقيقة حريق سوهاج لعنة الفراعنة ـ إسرائيل ـ روبي
تأتي
النار من السماء أو من باطن الأرض، لا فرق، المهم أنها تلتهم كل شئ في
لحظات، مشهد واحد عاشته قري محافظة سوهاج خلال الأيام الماضية، وكأن لعنة
ما أصابت هؤلاء البسطاء، فهجروا بيوتهم، وافترشوا العراء توجسا من لحظة
الاشتعال التي تأتي دائما بلا مقدمات.
لم نذهب إلي قري الفحم- كما
يطلقون عليها في الصعيد من شدة احتراقها- كي نرصد مسيرة النيران الحارقة،
وإنما لنشارك الناس هذا اللغز الذي استعصي علي المسئولين أنفسهم، فإذا
كانت درجة الحرارة المرتفعة هي السبب كما يقول البعض، فلماذا سوهاج وحدها،
وإذا كان ماسا كهربائيا فهل ينتقل من قرية إلي أخري بأسلوب انتقائي؟ وهل
منطقيا أن يتخطي بيوتا كثيرة ليشتعل في بيوت أخري؟! الأسئلة لم تشغل أهالي
القري، فثمة تفسيرات وتحليلات خاصة بهم، يرددونها بثقة ويصدقونها من باب
أن من سمع ليس كمن رأي. وبالتالي علينا أن نستمع إليهم باهتمام، لاسيما أن
غموض الأمر أكبر من مساحات الصمت بداخلنا.
بدأت
الحكاية المأساوية في يوم4 يوليو الحالي، حرائق غامضة ومجهولة المصدر
تلتهم عشرات البيوت في أكثر من15 قرية في مركز البلينا في سوهاج،650 كيلو
مترا جنوب القاهرة، ورغم محاولات الأهالي وأجهزة الدفاع المدني للسيطرة
علي الأمر، إلا أن النيران كانت تبادر وتناور وتراوغ، وتنتقل من قرية إلي
قرية، ومن بيت إلي آخر، لكن الغموض ولد من رحم الحرائق نفسها، فثمة شهادات
كثيرة تؤكد وتتفق علي أن كرات اللهب تأتي دائما من السماء وأحيانا علي
أجنحة الطيور، وأنها تحرق وتنتشر في لحظات قليلة علي غير عادة الحرائق
التي ألفها وعرفها الناس، بل إن بعضهم يؤكد أن اللهب يتخذ أشكالا غريبة
وهو في الهواء قبل أن يسقط علي البيوت، فهل هي نيازك ملتهبة أم نجم احترق
فاختار سوهاج وحدها أم أنها لعنة الفراعنة وغضب الجان الذي يحرس الآثار
المدفونة في باطن الأرض؟!
كل التفسيرات مفتوحة وواردة، بما في ذلك غضب
الله علي أولئك الذين يشاهدون روبي ونانسي عجرم في الدش، لكن سؤ الا شرعيا
يصدر من محمد حساب الشاب الحاصل علي بكالوريوس التربية يزيد الغموض: نحن
لا نعترض علي غضب ربنا، وإنما يدهشنا أن يقال ذلك ونحن أغلب من الغلب،
فإذا كان الله يحرق القري التي يشاهد قلة من أهلها الدش، فكان الأحري أن
تحترق القاهرة عن آخرها، وأن يرسل الله طيرا صفصفا علي الغردقة والساحل
الشمالي ومعظم الدول العربية.
سؤال شرعي بالفعل، لكنه يجب ألا
يستوقفنا، ربما لأن حكاية الدش تحمل من التفاهة الكثير، لكن ما حكاية لعنة
الفراعنة التي لحقت بهذه القري؟
يجيب أحدهم بغضب حامد حسين: أنا شخصيا
أصدق ذلك، فمعظم القري هنا نائمة علي كنوز أثرية مدفونة في باطن الأرض،
وبعض الأهالي ينقبون عنها سرا بحثا عن ثروة ضخمة، وكلنا نعرف أن الفراعنة
وضعوا حراسا من الجان لهذه الكنوز، وهؤلاء يغضبون ويثورون، ويحرقون البيوت
حتي يهجرها أهلها، ويتركون الفراعنة في حالهم.
تفسير حامد منطقي جدا في
عيون وأذهان الصعايدة، ليس لأنهم يلجأون أحيانا للخرافة، وإنما لتاريخهم
الطويل مع كنوز الفراعنة، وما أصاب بعضهم في السراديب والكهوف المظلمة،
بدءا بحالات الاختفاء الغامضة، مرورا بالمصائب والكوارث المفاجئة، وانتهاء
بالموت تحت أنقاض سرداب أو الاختناق أو الدفن أحياء تحت أكوام التراب
والحجارة والرمل.
إنها دعوة للحزن والدهشة في قري لم يسمع عنها أحد من
قبل، فمن منا يعرف قري: العمارنة، نجع محمد، الشللية، نجع مازن، الجيل،
الساحل، زرابي، بريل، السمطا، المعصرة، الشيخ سعيد، وأولاد يحيي بحري،
كلها قري فتحت دفتر الأحزان و النوم في العراء، فكما يقول حامد حسين فإن
لعنة الفراعنة - علي ما يبدو- أثمرت عن تحقيق الهدف المطلوب، إذ هجر الناس
بيوتهم وجلسوا في الشوارع خوفا من اشتعال الحرائق المفاجئة.
غير أن
مسئولا أمنيا في سوهاج قال لنا إن هذه الحرائق لا تسقط من السماء فجأة كما
يدعي الناس، وإنما تحدث بفعل فاعل. سألته: أي فاعل؟!
فأجاب: الأفران
التي يستخدمونها في إعداد الخبز العيش الشمسي وعيدان بوص الذرة التي
يخزنونها فوق الأسطح لسنوات وسنوات، فهذا البوص من الممكن أن يشتعل ذاتيا
من كثرة بقائه في الشمس الحارقة، لاسيما أن درجات الحرارة في الصعيد
مرتفعة جدا في موسم الصيف الحالي.أمريكا وإسرائيل
وبعيدا عن تحليل
المسئول الأمني، فإن لأهالي سوهاج روايات أخري تنفي هذا التحليل، إذ قال
لي محمد إبراهيم مسلم - أحد الأهالي- إن الحرائق بدأت منذ4 يوليو في مركزي
دار السلام والبلينا، ولا نعرف شيئا عن سببها، وهي عبارة عن كرات تصب من
السماء، تشتعل ولا تحدث انفجارا، وهناك من يردد بأنها صواريخ، وهناك من
يري أن أمريكا وإسرائيل خلف هذا المخطط، وهناك من يردد أن كوكبا انفجر في
السماء، وأنا لا أصدق حكاية أمريكا وإسرائيل، ويمكن يكون كوكبا عمره
الافتراضي انتهي، لكن إزاي يكون كوكبا ويركز علي قري سوهاج ولا يتساقط في
أماكن أخري.
أمام أحد البيو ت المحترقة التي لم تبق النار شيئا فيها
إلا وتحول لبقايا كتل متفحمة التقينا بمحمد عبدالكريم أحمد، مزارع، والذي
قال: احترق بيت أخي بالكامل وأصبنا بالرعب، والكارثة في كل مرة تبدأ
برائحة دخان تنتشر في الجو ثم تشتعل النيران بلهب شديد جدا، وفي أقل من
نصف ساعة تحرق أكثر من عشرين بيتا، وفي بيت أخي كان علي السطح حزمتا بوص
اشتعلت فيهما النيران، وفي أقل من دقائق أتت عليهما وعلي البيوت المجاورة
له من اليمين ومن الشمال ثم البيوت التي من الخلف ومن الأمام، ولا يوجد
سلك ضغط عال ولا أي شئ من الممكن أن نقول إن مصدره الحريق، لكن النيران
تنزل من السماء وتحمل رائحة مثل غاز أنابيب البوتاجاز، وأحيانا تسقط علي
جسم صلب لكنها لا تشتعل.
دخلنا هذا البيت الذي يتحدث عنه لنجد أن ابن
أخيه هشام فتحي عبدالكريم مجند، يحمل كل آلام الدنيا وخوفها، ورغم مرور
ثلاثة أيام علي الحادث إلا أنه مازال مصابا بحالة هستيريا لم تتركه حتي
الآن، ولم يستطع أن يروي لنا ما حدث إلا بصعوبة، حيث قال: حين اشتعلت
الحرائق في البيت دخلت إلي دورة المياه لأطلق مياه الدش حتي أتجنب
النيران، ولا أعرف ماذا حدث بعدها.
يتناول عمه خيط الحديث قائلا: فتحنا
دورة المياه فوجدناه شبه ميت، هرولنا به إلي المستشفي الأميري، وخرجنا
منها لأننا لم نجد بها رعاية طبية، وذهبنا إلي طبيب في عيادة عالجه وأعطي
له ثمانين حقنة، لأن قدمه بالكامل كانت منتفخة بشكل لا يطاق، وقد اشترينا
الحقن وكل شئ من جيبنا الخاص، وكما تري فإن هشام مازال مصابا باختناق
وحالة هيستيريا وعدم تصديق لما حدث.
الطفل هيثم حلمي فواز كان يبكي
بحرقة، ليس لأنه فقد أحد أفراد أسرته ولكن لأنه هو ووالده لم يعد لديهما
مصدر رزق، فقد باع والده كل ما يملك واشتري اثنتي عشرة قطعة من الماشية
ليعلفها ويبيعها ويعيش منها فأتت النيران عليها بالكامل، وأعطته الشئون
الاجتماعية 25 جنيها تعويضا!! وهو المبلغ الذي صرف لكل المتضررين، وبكي
هيثم وتركني وانصرف وهو ينظر إلي مكان احتراق بهائم الأسرة، فهو ـ علي ما
يبدو ـ يدرك جيدا أنها كل شيء في حياة هذه الأسرة البسيطة.
لكن الطفل
هيثم عنتر رمضان ـ بالمرحلة الإعدادية ـ صور له خياله قصة جديدة وهي أن
هناك نوعا من الأقلام يوجهونها تجاه مناطق معينة فحرق البيوت مثلما أحرق
كل بيوت البلد.محمد عبدالرحيم يقول: تأتي لنا سيارات المطافيء بعد أن تخمد
الحرائق، لذلك فنحن نحتاج سيارة مطافيء بشكل دائم حتي لا تدمر النيران
منازلنا.
هناك عديدون رفضوا ذكر أسمائهم قالوا إن بعض المسئولين يجبرونهم علي توقيع محاضر تقول إن سبب الحريق الأفران البلدي!!
د.
ممدوح صدقي زخاري ـ رئيس قسم الجراحة بالمستشفي ـ سألته عن الحالات التي
وصلت إلي المستشفي ولكنه أراد أن يبدأ الحديث من مساحات الحيرة لدي الناس،
إذ يري أن هناك أجساما تهبط من السماء بسرعة لا تؤثر عليها الجاذبية،
والناس تصفها وصفا دقيقا بأنها مثل قطعة الحديد الصغيرة التي تهبط ولكن
ليس بشكل عمودي، ويضيف: حسب ما أعتقد أن السبب نجم تفتت وشظاياه دخلت في
الغلاف الجوي، فظل في الجو ثم هبط علي الأرض، وتحس أن له مسا، فكرات اللهب
لا تهبط من أعلي لأسفل ولكن بزاوية، وبدأت في دار السلام أولاد طوق وحين
وصلت لمناطق أخري اتجهت للقري المجاورة للنيل، وحاليا وصلت إلي أبو شوشة
في مركز أبوتشت بقنا، وهي حالة غريبة تحدث للمرة الأولي في صعيد مصر..
وربنا يكون في عون الناس.
المضحك في المأساة أن الشيخ عبدالباسط محمود
أحمد ـ إمام المسجد ـ يروي أنه كان علي المنبر يخطب في صلاة الجمعة وحين
حدث حريق بأحد البيوت تركه الناس يخطب وذهبوا لإخماد الحريق، ويري الشيخ
أنه لا تفسير دينيا لهذه الظاهرة لأنها ليست من علامات القيامة الكبري،
كما يشيع الناس، وأن النيران لا تنزل من السماء، ورغم أن البيوت التي
اشتعلت لا تحصي إلا أنني لا أعرف تفسيرا لهذا.. ويؤلمني كثيرا احتراق كل
الأجهزة الموجودة في البيوت التي تعبت في شرائها.
المضحك أكثر أن أحد
الأهالي قال إن المطربة روبي هي سبب هذه الحرائق تساءلت بدهشة روبي؟
فأضاف: نعم.. فالواد ابني كان مشغل الدش وبيسمع روبي وهي تتمرقص وتقول طب
ليه بيداري كده،وبعدها هبطت النار علينا ولم تترك شيئا سليما في البيت،
واضح أن لعنة روبي أحرقت البيت وإن ربنا غضبان علينا.
مسئول المطافي
بالبلينا قال إن هناك حالة طواريء في مقر الحريق ونتحرك سريعا فور وصول
بلاغ إلينا ولكن من الصعب أن توجد سيارة مطافيء في كل قرية، فالقري عددها
كبير والسيارات قليلة.
حافظ صادق حافظ، عبدالرحيم بدري، أبو السعود
العربي، أحمد حلمي، شريف كمال، فهد عز الدين، مطاوع عبدالحميد مطاوع، أحمد
خليفة عبدالسلام، هيام فتحي عبدالكريم، هويدا البدري، حلمي سيد إبراهيم
علي.
